إدمان الشاشات لدى المراهقين: التأثيرات النفسية وكيفية التعامل معها

مع بداية الإجازة الصيفية وتغيّر الروتين اليومي، يلجأ كثير من المراهقين إلى قضاء وقت طويل أمام الشاشات، سواء عبر ألعاب الفيديو أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من محاولات الأهل لتحقيق توازن بين استخدام الشاشات والنشاطات الخارجية، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن المشكلة الحقيقية ليست في عدد الساعات، بل في طبيعة العلاقة بين المراهق والشاشة.
في دراسة نُشرت في يونيو 2024 في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA)، وجد الباحثون أن إدمان الشاشات—not مجرد استخدامها، يرتبط بشكل أكبر بظهور مشكلات نفسية مثل القلق، الاكتئاب، العدوانية، وحتى التفكير الانتحاري. من علامات هذا النوع من الإدمان: استخدام قهري، صعوبة في التوقف، وانزعاج شديد عند الابتعاد عن الجهاز.
ووفقًا للدراسة التي قادتها العالمة د. يوني شياو، أظهر حوالي 30٪ من الأطفال علامات على الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي بعمر 11 عامًا، و40٪ على ألعاب الفيديو، وهي نسب استمرت خلال سنوات المتابعة.
لماذا المراهقون أكثر عرضة للإدمان؟
من الطبيعي أن يسعى المراهق إلى القبول الاجتماعي ويجرب سلوكيات جديدة. لكن دماغه، خاصة الجزء المسؤول عن التحكم الذاتي (الفص الجبهي الأمامي)، لا يزال في طور النمو. ومع تصميم منصات التواصل الاجتماعي لتقديم تغذية راجعة مستمرة مثل الإعجابات والتعليقات، يحصل المستخدم على دفعات متكررة من “الدوبامين”، مما يعزز نمط الإدمان بطريقة مشابهة لآلات القمار.
ولهذا السبب، يشبّه الخبراء تأثير الشاشات بإدمانات سلوكية أخرى مثل الإفراط في تناول الطعام أو تعاطي المواد. لكن على عكس المخدرات أو الكحول، لا يمكن ببساطة “التخلّص من الشاشات” في عالم اليوم.
ما الذي يمكن أن يفعله الأهل؟
ينصح المختصون بعدم منع الشاشات كليًا، بل بوضع قواعد واضحة لاستخدامها، كما هو الحال مع الحلويات. وتوصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بالتركيز على ما يُستبدل به وقت الشاشة، أي ما النشاطات التي يتم إهمالها، مثل اللعب في الخارج أو النوم الصحي.
إنشاء مناطق خالية من الشاشات في البيت، مثل غرفة النوم أو مائدة الطعام، يساعد أيضًا في إعادة التوازن. وفي الحالات الشديدة، قد يلزم سحب الأجهزة مؤقتًا، مع الانتباه إلى أن ذلك قد يؤدي إلى ردود فعل حادة في البداية، لكن المراهقين غالبًا ما يتأقلمون ويجدون بدائل إيجابية.
مسؤولية جماعية
يشير الباحثون إلى أن المشكلة لا تقع على عاتق الأهل فقط، فالكثير من السمات التي تُعزز الاستخدام القهري مُصمّمة عمدًا داخل المنصات. لهذا بدأت بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، بسنّ قوانين لحماية القُصّر من المحتوى الإدماني والتنبيهات خارج أوقات الدراسة والنوم.
ويجب أن تتدخل المدارس والعيادات النفسية أيضًا عبر دمج التربية الرقمية في المناهج، أو تضمين أسئلة عن استخدام الشاشات في جلسات التقييم النفسي. ويلاحظ الخبراء أن هناك تحولًا متزايدًا نحو فرض أيام مدرسية خالية من الهواتف.
ورغم تعقيد المشكلة، يبقى الأمل موجودًا. بجهود مشتركة من الأهل والمعلمين والمتخصصين وصناع القرار، يمكن الحد من إدمان الشاشات وحماية الصحة النفسية للمراهقين.