الاكتئاب: مصدر إلهام أم حاجز؟

تسود صورة نمطية عن الفنان الحزين، وكأن الإبداع لا يُولد إلا بعد المرور في عتمة. ويخشى البعض أن يؤدي علاج الاكتئاب إلى فقدان هذه “الحدّة”. لكن الحقيقة أعقد من ذلك؛ فالاكتئاب قد يكون أحيانًا وقودًا للإبداع وأحيانًا أخرى عقبة أمامه.
الحزن وفقدان الطاقة قد يخنقان الأفكار ويجعلان العقل كصفحة ممزقة. وحتى الإمساك بريشة أو قلم قد يحتاج جهدًا هائلًا. ومع ذلك، يجد الكثيرون في التعبير الفني منفذًا لفهم الذات والعالم خلال لحظات الضعف.
الاكتئاب والإبداع
تشير الدراسات إلى علاقة معقدة. ففي دراسة سويدية شملت أكثر من أربعة ملايين شخص، وُجد أن من يعملون في المجالات الفنية أكثر عرضة للاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام (MacCabe وآخرون، 2018). ويُعتقد أن الاكتئاب الخفيف قد يُحفّز الخيال، بينما المستويات الشديدة غالبًا ما تعيقه (Holm-Hadulla وآخرون، 2021).
قياس الإبداع ليس سهلًا. فالاعتماد على التقييم الذاتي قد يكون مضلّلًا، خصوصًا لأن الاكتئاب يُغيّر نظرة الفرد لقدراته. ورغم ذلك، كثير من المصابين بأعراض اكتئابية مرتفعة يصفون أنفسهم بأنهم مبدعون. على سبيل المثال، أظهرت دراسة على طلاب جامعات في الصين خلال جائحة كورونا ارتباطًا إيجابيًا بين الاكتئاب المُبلغ عنه ذاتيًا ومستوى الإبداع (Xu وآخرون، 2021). بينما أشارت دراسات أخرى إلى أن الاكتئاب قد يضعف القدرة على حل المشكلات الإبداعية (Lam & Saunders، 2024).
الاكتئاب أحادي القطب وثنائي القطب
تُقسم الاضطرابات الاكتئابية إلى نوعين رئيسيين: الاكتئاب أحادي القطب (الاكتئاب الشديد والمستمر) والاضطراب ثنائي القطب (النوع الأول والثاني والدوروية المزاجية). يشترك النوعان في نوبات الاكتئاب، لكن ثنائي القطب يتميز أيضًا بوجود فترات من الهوس أو الهوس الخفيف، وهي غالبًا ما ترتبط بالإبداع.
أظهرت مراجعات علمية أن الاضطراب ثنائي القطب يرتبط بوضوح بالتفكير المتشعب والإبداع، خاصة في فترات النشاط أو الاستقرار المزاجي (Forthmann وآخرون، 2023). أما خلال النوبات الاكتئابية، فيتراجع هذا الأثر.
الإبداع كوسيلة للعلاج
العلاقة بين الاكتئاب والإبداع ليست في اتجاه واحد. فكما قد يؤثر الاكتئاب في الإبداع، قد يكون الإبداع نفسه وسيلة للتعافي. كثيرون يجدون في الكتابة أو الموسيقى أو الرسم مخرجًا من الألم.
وقد استُخدمت العلاجات بالفن في الطب النفسي لعقود، وأظهرت نتائج واعدة في التخفيف من أعراض الاكتئاب (Nan & Ho، 2017). كما أوضحت دراسات عصبية أن الانخراط في الفنون يُنشّط مناطق الدماغ المرتبطة بتنظيم الانفعالات، مثل القشرة الجبهية الوسطى (Barnett & Basiu، 2024). إضافةً إلى ذلك، تمنح الفنون مساحة للاستكشاف الرمزي والتفكير التجريدي، مما يساعد على معالجة الألم النفسي (Blomdahl وآخرون، 2013).
إذن، يمكن أن يكون الاكتئاب عائقًا أو مصدر إلهام، لكن الإبداع غالبًا ما يبقى جسرًا نحو الشفاء.