نمِّ التفكير النقدي لدى الأطفال بعبارتين بسيطتين

في عالم اليوم، يتعرّض الأطفال لكمّ هائل من المعلومات يوميًا، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الأحاديث المتبادلة في المدرسة. ولهذا، لم يعد كافيًا أن يعرف الطفل المعلومات فحسب، بل أصبح من الضروري أن يمتلك مهارات التفكير النقدي التي تساعده على التمييز بين الحقيقة والمغالطة.
ويكمن جوهر التفكير النقدي في مفهوم أساسي هو: التواضع الفكري، أي إدراك أننا لا نعرف كل شيء وأننا معرضون للخطأ. هذا النوع من التواضع يفتح المجال للفضول، ويغذي العقل بالقدرة على التحقق والتفكير.
قوة القدوة
بحسب نظرية التعلم الاجتماعي لعالم النفس ألبرت باندورا، فإن الأطفال لا يتعلمون فقط من خلال ما نقوله، بل من خلال ما نقوم به. فعندما يعترف البالغ بعدم معرفته لشيء ما أو بخطئه، فإنه يعلّم الطفل كيف يتعامل مع الغموض والشك بطريقة ناضجة.
وليس هذا مجرد افتراض. فقد أظهرت دراسة حديثة في عام 2024 أن الطلاب يكونون أكثر تفاعلًا عندما يُظهر المعلمون تواضعًا فكريًا، مثل الاعتراف بعدم فهم شيء ما. هذا يخلق بيئة تعلم صحية تركز على النمو، لا على المثالية.
ومع ذلك، قد يكون من الصعب على الكبار الاعتراف بالجهل أو الخطأ. فهناك ما يُعرف بـأثر الثقة الزائدة، وهي نزعة تجعلنا نتصرف كما لو كنا متأكدين أكثر مما نحن عليه فعليًا. لكننا نستطيع التغلب على هذا التحدي باستخدام عبارتين بسيطتين:
١. “لا أعرف”
عندما يعترف البالغ بأنه لا يعرف، فإنه يعلّم الأطفال الصدق والفضول العلمي. وبدلًا من التخمين أو إعطاء إجابة خاطئة، يمكننا أن نحوّل هذا الموقف إلى فرصة تعليمية:
- ابحثوا معًا عن الإجابة: استغل الوقت للبحث سويًا عن المعلومة، وعلّم الطفل كيف يقيّم المصادر ويقارن بين المعلومات.
- حفّز الفضول: هناك أسئلة لا تزال بلا إجابة مثل: “كيف بدأت الحياة على الأرض؟” وهنا يمكننا مشاركة النظريات العلمية، لكن مع التأكيد على أن بعض الأسئلة لا تزال غامضة، ما يفتح الباب أمام الخيال والاكتشاف.
- أكّد على فكرة التعلم المستمر: “لا أعرف” تُعلّم الطفل أن الجهل ليس عيبًا، بل بداية لرحلة من المعرفة.
٢. “كنت مخطئًا”
الاعتراف بالخطأ يُظهر للطفل أن تغيير الرأي عند توفر معلومات جديدة هو تصرف ذكي وناضج.
إليك كيف يمكنك توصيل هذا المفهوم:
- سمِّ الخطأ وصحّحه: “كنت أظن أن عدد أقمار المشتري هو 67، لكن تبيّن لي أنه 95.”
- اشرح مصدر التحديث: “قرأت ذلك على موقع وكالة ناسا.”
- استخلص العبرة: “العقول الذكية تُعدّل قناعاتها عند ظهور دليل جديد.”
هذه العبارات تُظهر للطفل أن المعرفة تتطور، وأن المرونة في التفكير علامة على القوة وليس الضعف.
تعزيز هذا السلوك لدى الأطفال
تشير نظرية باندورا أيضًا إلى أن الأطفال يتعلّمون بشكل أفضل عندما يلاحظون سلوكًا، ويتذكرونه، ويجربونه، ويشعرون بأنهم يكافأون عليه. لهذا يُنصح باستخدام استراتيجية “نموذج، تسمية، تشجيع” كما اقترحها الدكتور رونالد كروتش:
- إذا قال الطفل “لا أعرف”، قل له:
نموذج: “وأنا أيضًا لم أكن أعرف ذلك”.
تسمية: “هذا صدق منك”.
تشجيع: “شكراً لصدقك، هذا أول خطوة لفهم شيء جديد”. - وإذا غيّر رأيه بناءً على دليل جديد، قل له:
“أنت منفتح الذهن، وهكذا يفكر العلماء”.
بهذا الأسلوب، نساعد الأطفال على تبني التواضع الفكري، وهو حجر الأساس الذي تُبنى عليه القدرة على التفكير النقدي والاستقلال العقلي في عالم يعج بالمعلومات.