الفوبيات… كبيرة وصغيرة

كنت أظن أن الفوبيا هي مخاوف درامية تشلّ الحياة تمامًا؛ كالذي يخشى الجراثيم فيعزل نفسه عن العالم، أو من يرفض ركوب الطائرة حتى لو فاتته مناسبة عائلية كبرى. كنت أعرف أشخاصًا يعانون من رهاب الخروج من المنزل، يختارون البقاء فيه مهما كانت الظروف. في نظري، كانت الفوبيا خوفًا شديدًا يطغى على صاحبه لدرجة تجعله يتنازل عن متع الحياة بدل مواجهته.
هذا ما كنت أعتقده… إلى أن اكتشفت أن لدي فوبيا صغيرة بنفسي.
الكثير من الناس قد يحملون “فوبيا صغيرة” لا يلاحظونها أو يتجاهلونها، لأنها لا تؤثر على حياتهم بشكل واضح. لكن في العمق، قد تكون مرتبطة بجذور نفسية أعمق بكثير.
قصتي بدأت أيام الجامعة، حين لاحظت أنني لا أستطيع ترك سريري غير مرتب، على عكس زميلتي التي لم تكن تبالي بذلك. لم أكن شديدة التنظيم في كل شيء، ملابسي قد تتناثر وأوراقي قد تبقى على المكتب، لكن السرير كان يجب أن يُرتّب دائمًا. لم أعرف السبب، ولم أعتبره أمرًا يستحق التفكير.
بعد سنوات، أدركت أن الأمر لم يكن مجرّد تفضيل للنظام. مجرد فكرة ترك السرير دون ترتيب كانت تثير فيّ شعورًا بالضيق والاشمئزاز لا أحتمله. لذلك كنت أرتّبه دائمًا، في كل مكان عشت فيه، ومع أي شخص تشاركت معه المنزل. حتى بعد زواجي، بقي ترتيب السرير مسؤوليتي.
بدت لي عادة غير ضارة، بل ربما جيدة، فغرفة مرتبة أجمل دائمًا. لم أربطها بأي معنى أعمق… حتى اقتربت من التقاعد وبدأت جلسات التحليل النفسي.
هناك، ظهرت جذور القصة: وفاة والدي وأنا في الثانية من عمري، ومعاناته الطويلة في سرير ظلّ غير مرتب بعد رحيله، وصمت الأسرة الذي أحاط بالحدث. كطفلة، لم أستطع التعبير عن خوفي أو حزني، لكن تلك المشاعر التصقت في ذاكرتي بصورة السرير المهمل.
من خلال العلاج، واجهت تلك المشاعر وفهمتها بالكامل، فاختفى الخوف، وبقيت العادة فقط. الآن أستطيع ترك السرير غير مرتب من دون شعور مزعج، لكنني غالبًا ما أرتبه بدافع العادة.
تجربتي أكدت لي أن حتى المخاوف البسيطة قد تحمل في طياتها صدى أحداث مؤثرة من الماضي. تتبّع هذه الخيوط، مهما بدت صغيرة، قد يمنحك حرية نفسية كبيرة.
وفي الليلة التي أنهيت فيها كتابة هذه القصة، تركت السرير كما هو… وعند النوم، اكتفيت بسحب الغطاء والنوم بهدوء.