إعادة التفكير في تجنّب المطالب المرضي (PDA)

جاءت أم إلى عيادتي مؤخرًا تبحث عن مساعدة لابنها البالغ من العمر 12 عامًا.
“كل يوم يبدو وكأنه معركة. يقاوم كل ما أطلبه منه، مهما كان بسيطًا. من لحظة إيقاظه صباحًا وحتى وقت النوم، يتحول البيت إلى ساحة توتر. إخوته يطيعون، بينما هو يعاند باستمرار. قرأت عن متلازمة تجنّب المطالب المرضي، وأعتقد أنه يعاني منها. هل يمكن تقييم حالته؟”
ما هو تجنّب المطالب المرضي؟
ظهر مصطلح PDA لأول مرة في الثمانينيات على يد العالمة البريطانية إليزابيث نيوسون، التي وصفت أطفالًا مصابين بالتوحّد أبدوا مقاومة شديدة ودائمة للطلبات اليومية، بشكل لا يتوافق مع الصورة التقليدية للتوحّد.
انتشار الوعي بالـPDA
رغم أن PDA لم يُعترف به رسميًا كتشخيص نفسي، إلا أن الفكرة اكتسبت شهرة منذ 2010 بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وجد الآباء في هذه التسمية تفسيرًا لمعاناتهم اليومية. انتشرت مجموعات الدعم عبر فيسبوك وتيك توك، وأصبح هناك من يروج لفكرة “التربية قليلة المطالب” رغم غياب الأدلة العلمية.
الجدل حول التشخيص
تظل الأبحاث محدودة وغالبًا متحيزة لأنها تعتمد على آباء مقتنعين مسبقًا بوجود PDA لدى أطفالهم. كما بدأ البعض يوسّع المفهوم ليشمل حالات أخرى مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، اضطراب التحدي المعارض، وحتى الاكتئاب.
الخلاف أيضًا يشمل السبب الجذري: فهناك من يرى أن القلق هو المحرك الأساسي، بينما يرى آخرون أن الأمر يتعلق بالصلابة المعرفية أو السمات المزاجية. خبرتي السريرية تشير إلى أن العديد من الأطفال الذين يُعتبرون “متجنبين للمطالب” لا يظهرون علامات قلق عند الرفض، بل يتحولون بسرعة إلى الغضب عند الإصرار عليهم.
القلق: سبب أم نتيجة؟
من الممكن أن القلق ليس السبب، بل النتيجة الطبيعية لصراعات متكررة مع الوالدين والمعلمين. العيش في أجواء صراع دائم يولّد القلق لدى الطفل وأسرته.
طرق العلاج القائمة على الأدلة
منذ زمن طويل، وصف علماء النفس هذه السلوكيات بأنها عناد أو عدم امتثال، وهناك برامج علاجية مثبتة للتعامل معها. في المقابل، فإن “التربية قليلة المطالب” لا تستند إلى دليل علمي، وقد تعطي راحة مؤقتة لكنها تترك الطفل غير مهيأ لمتطلبات الحياة الراشدة.
العلاج الفعّال يجب أن يركّز على تدريب الطفل تدريجيًا على تحمّل السيطرة الخارجية وعدم اليقين، مع الموازنة بين خفض الصراعات والحفاظ على توقعات مناسبة للعمر.
الخلاصة
سواء سمّيناه PDA أو عنادًا سلوكيًا، يبقى الواقع أن بعض الأطفال يواجهون صعوبة شديدة مع السلطة والطلبات. المهم ليس التسمية، بل إيجاد حلول واقعية وعلمية تساعد الأسر على استعادة التوازن والهدوء.