الخطر الخفي لثقافة “الصدمة النفسية”

شهدت السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا لخطاب الوعي بالصدمات النفسية، وهو توجه إيجابي في جوهره لأنه يلفت الانتباه للصحة النفسية. لكن هذا الوعي، رغم أهميته، أفرز مشكلة غير متوقعة: أصبح كثير من الناس يصفون معاناتهم العاطفية الطبيعية على أنها “صدمة نفسية”.
كلمة “صدمة” تحولت من مصطلح علمي دقيق إلى وصف شامل يُطلق على كل تجربة صعبة، من الخلافات العائلية إلى ضغوط العمل أو انتهاء علاقة عاطفية. هذا التوسع في الاستخدام قد يجعل الناس يعتقدون أن أي ألم عاطفي هو جرح عميق يحتاج لعلاج طويل، بينما في كثير من الحالات يكون الألم مؤقتًا ويمكن تجاوزه بطرق أبسط.
دائرة المعلومات المضللة
وسائل التواصل والمحتوى المنتشر على الإنترنت عززت أفكارًا مبسطة أو مشوشة عن الصدمة النفسية، مثل فكرة “العيش في وضع البقاء” بشكل دائم، رغم أن أغلب الناس يمرون برد فعل مؤقت على المواقف الضاغطة. النتيجة أن البعض يقتنع بأنه تالف نفسيًا بينما هو في الحقيقة يتعافى بالفعل أو يمر بمرحلة طبيعية من مشوار الحياة.
يمكن تشبيه الأمر بمرض الجدري المائي: قد يترك أثرًا دائمًا في جهاز المناعة، لكنه لا يستمر مدى الحياة كمرض نشط. كذلك، التجارب الصعبة قد تترك بصمة نفسية، لكنها لا تعني بالضرورة وجود خلل دائم.
ما يحدث فعليًا في الدماغ
المعاناة العاطفية درجات وليست حالة واحدة:
- إشارة وليست مرضًا: الألم رسالة تخبرنا أن هناك شيئًا يحتاج إلى الانتباه، مثلما ينبّهنا الألم الجسدي إلى إصابة.
- ضرورة المعالجة: الدماغ يحتفظ بالجروح العاطفية غير المحلولة حتى يفهم ما حدث ويجد طريقة أفضل للتعامل مستقبلًا.
- الصدمة تغيّر النظام: الصدمة الحقيقية تعيد برمجة إشارات الأمان في الجهاز العصبي، فتجعل الشخص متوترًا أو منفصلًا حتى في بيئات آمنة.
استخدام علاج الصدمات لحالات الحزن أو الإحباط اليومية يشبه إجراء عملية جراحية لكدمة بسيطة—حسن النية لكنه غير ضروري وقد يضر أحيانًا.
مشكلة التسمية الخاطئة
عندما نطلق كلمة “صدمة” على كل تجربة صعبة، فإننا نقلل من قدرة الناس على التكيف. شخص حزين بعد الطلاق قد يضيع سنوات في علاج الصدمات بينما هو يحتاج بالأساس إلى دعم في تجاوز الحزن وبناء الثقة من جديد. وآخر يركّز على “تنظيم الجهاز العصبي” بينما مشكلته الحقيقية غضب لم يُعالج.
نحو فهم أوضح وقدرة أكبر على التعافي
التمييز بين الألم الطبيعي والصدمة النفسية الحقيقية يساعدنا على الانتقال من عقلية الضحية إلى عقلية الفاعل. كثيرون يشعرون بالتحرر حين يدركون أن معاناتهم لا تعني أنهم محطمون، بل أنهم بشر يمرون بتجربة مؤلمة قابلة للتجاوز.
الشفاء يبدأ بفهم دقيق: تسمية التجربة باسمها الصحيح، اختيار الأسلوب العلاجي المناسب، والثقة في قدرتنا على التعافي. ليست كل الجروح دلالة على ضرر، وليست كل الندوب بحاجة للإصلاح. أحيانًا، أقوى خطوة نحو الشفاء هي الإيمان بأنك قادر على ذلك، بمجرد أن تعرف من ماذا تتعافى فعلًا.