Blog Details

لماذا يختار الكثيرون الصمت عن مرض باركنسون؟ وما الذي يخسرونه في المقابل؟

“أنت ما بتبان عليك حاجة.”
عبارة تتكرر كثيرًا على مسامع من يقررون أخيرًا الإفصاح عن إصابتهم بمرض باركنسون، بعد شهور وربما سنوات من الصمت. في البداية، تظل الحقيقة محصورة بين أفراد الأسرة، الطبيب المعالج، أو صديق مقرّب. لكن الوقت يمضي. تبدأ اليد بالارتجاف خلال فنجان قهوة. يصبح الصوت خافتًا في الهاتف. وتفقد ملامح الوجه تعبيرها في الصور.

مرض باركنسون ليس مجرد رعشة

المرض لا يؤثر فقط على الحركة، بل يغيّر طريقة تواصل الإنسان مع نفسه ومع من حوله. السبب؟ تراجع مادة “الدوبامين” في الدماغ، المسؤولة عن التحكم بالحركة والمزاج والدوافع. نعم، الرعشة واضحة، لكن ما لا يُرى أكثر تعقيدًا: بطء الحركة، تيبس العضلات، مشي متثاقل، تعبيرات وجه جامدة، بالإضافة إلى أعراض غير حركية مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم والتركيز.

وهنا يبدأ السؤال الحقيقي: ليس “هل سأخبر الآخرين؟” بل “متى؟”

أسباب شائعة تدفع المصابين لإخفاء التشخيص

  1. الخوف من سوء الفهم
    قد يُفسر الرجفان كتوتر، والصوت الخافت كعدم ثقة، والملامح الجامدة كغضب أو برود. الصمت هنا وسيلة لتجنب الأحكام المسبقة.
  2. التمسك بالكرامة بدل الشفقة
    الشفقة مؤلمة، حتى أكثر من الجهل. الإفصاح قد يُحوّلك من زميل إلى “مريض”. أحيانًا، يؤجل الناس الإفصاح حفاظًا على شعورهم بالمساواة.
  3. الخوف على العمل والدخل
    حتى في أماكن العمل الداعمة، قد تتغير المعاملة بعد الإفصاح. يتم سحب المهام تدريجيًا، أو يُفترض أنك لم تعد قادرًا، رغم أنك ما زلت تستطيع. لذلك، كثيرون ينتظرون توقيع العقود أو ضمان الاستحقاقات قبل الحديث.
  4. منح العائلة وقتًا للتأقلم
    بعض الآباء لا يخبرون أبناءهم إلا بعد انتهاء الامتحانات، أو يتريث الأزواج حتى لا يتحول الشريك إلى “مُعتني”. الصمت هنا حماية مؤقتة للروتين والهدوء الأسري.
  5. العوامل الثقافية
    في ثقافات عديدة – منها الآسيوية والعربية – تُعدّ الأمراض الخاصة مسألة عائلية. الاعتراف بإصابة مزمنة قد يُشعر البعض بالعار أو يُحرج الأسرة بأكملها.

ما الذي نخسره حين نختار الصمت؟

الصمت قد يبدو وسيلة لحماية النفس، لكنه يحمل تكلفة عالية. الأشخاص الذين يشعرون بالوصمة أكثر عرضة للاكتئاب والعزلة وتأخير العلاج. كما أن من يخفون تشخيصهم غالبًا ما يتراجع نشاطهم البدني وانخراطهم في الرعاية الذاتية، مما يؤثر سلبًا على مستقبلهم الصحي.

الفهم هو بداية التغيير

عندما لا نفهم مرضًا، يصبح الصمت ملاذًا آمنًا. لكن كلما عرف الناس أكثر عن باركنسون، كلما قلّ الشعور بالحاجة إلى الاختباء.
التعبير الباهت لا يعني أنك غاضب، والرعشة ليست ضعفًا، والصوت الخافت لا يلغي قوتك.

أن نُرى كما نحن، لا كما تبدو أعراضنا، هو أعظم دعم يمكن أن نحصل عليه.