لماذا ننسى ما نتعلمه بسرعة؟
قد تستمع إلى بودكاست رائع، أو تقرأ مقالًا مميزًا، أو تحضر ورشة عمل ملهمة. تشعر بالحماس، وتظن أنك ستتذكر كل شيء دائمًا.
لكن بعد أيام قليلة… لا تتذكر سوى القليل جدًا.
هذا لا يعني أنك مشتت أو ضعيف الذاكرة. بالعكس، دماغك يعمل كما صُمم تمامًا.
منحنيان يتحكمان في التعلم والنسيان
الجميع يعرف “منحنى التعلم” الذي يوضح كيف نتحسن مع التكرار والممارسة. لكن القليل يعرف “منحنى النسيان” الذي لا يقل أهمية.
هذا المفهوم قدمه عالم النفس الألماني هيرمان إبنجهاوس في أواخر القرن التاسع عشر. أظهر أن الإنسان ينسى نصف ما تعلمه خلال ساعة، و75% خلال يوم، و90% خلال أسبوع، ما لم يُعزز هذا التعلم.
وهذا التحدي ليس جديدًا، بل حذرت منه النصوص القديمة مثل التوراة والتلمود. وفي عالم اليوم المليء بالمشتتات والمعلومات، أصبحت المشكلة أكبر.
لماذا ننسى بهذه السرعة؟
عقولنا لا تجيد الاحتفاظ بالمعلومات عند استقبالها بشكل سلبي. القفز المستمر بين الشاشات والمواضيع لا يترك مساحة للفهم أو التفاعل العميق.
حسب “نظرية الإيداع” التي طرحها الباحث باولو فريري، إذا عُومل المتعلم كوعاء يتم ملؤه بالمعلومات دون أدوات لتنظيمها أو استخدامها، فإن المعلومات ستُنسى بسرعة.
كيف تتغلب على النسيان؟
إليك أربع طرق بسيطة لكنها فعالة لتحسين قدرتك على التذكر:
- أعد صياغة ما تعلمته بكلماتك
خلال ساعة من التعلم، حاول تلخيص ما فهمته بلغتك الخاصة. هذا التمرين ينشّط دماغك ويجعله يعيد بناء الفكرة، مما يعزز ثباتها في الذاكرة. - توقف وتأمل قبل الانتقال لشيء جديد
اسأل نفسك: ما الشيء الذي فاجأني؟ كيف يرتبط بما أعرفه؟ كيف يمكنني استخدامه؟ هذه اللحظات الصغيرة من التأمل تساعد في خلق روابط ذهنية قوية. - طبّق ما تعلمته فورًا
استخدم المعلومة في موقف عملي، أو شاركها مع أحد، أو جرّب تطبيقها في مشروع. كلما استخدمت المعرفة، أصبحت أكثر ثباتًا في ذاكرتك. - استخدم التكنولوجيا بشكل ذكي
يمكن أن تساعدك بعض الأدوات الذكية، مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، على مراجعة وتلخيص المحتوى أو اختباره بطرق تفاعلية، لتذكيرك بالمعلومة قبل أن تُنسى.
التعلم الفعّال يتطلب أكثر من مجرد القراءة
لكي تحتفظ بما تعلمته، لا تكتفِ بالاطلاع فقط. تحتاج إلى التكرار، والتفكير، والتطبيق.
في المرة القادمة التي تقرأ فيها شيئًا مميزًا، لا تنتقل فورًا لشيء آخر. قف، لخّص، فكّر، وجرّب.
هكذا تتحول المعرفة إلى جزء منك… وتبقى.
