كيف تشفي العلاقة العلاجية النفس من الداخل؟

الدخول إلى جلسة علاج نفسي، سواء كانت حضورية أو عبر الإنترنت، ليس مجرد مكان لتفريغ الأفكار أو مشاركة الأحداث الأسبوعية. بل هو مساحة مصممة خصيصًا لشفاء العلاقة مع الذات، تلك العلاقة التي قد تكون تضررت نتيجة تجارب سابقة أو صراعات داخلية مستمرة. يلجأ كثيرون إلى العلاج النفسي لأسباب مختلفة: التعامل مع القلق، تجاوز مراحل انتقالية صعبة، معالجة الصدمة النفسية، أو تحسين العلاقات الشخصية. لكن في جوهره، العلاج لا يهدف إلى “إصلاحك”، بل إلى مساعدتك على إعادة الاتصال بعالمك الداخلي بطريقة أكثر وعيًا ورحمة.
استبدال النقد الذاتي بالفضول
من الشائع أن يدخل الإنسان جلسات العلاج وهو محاط بصوت الناقد الداخلي. هذا الصوت الذي يجلد الذات قد يحجب القدرة على رؤية الأمور بموضوعية ورحمة. بدلاً من محاولة إسكات هذا الصوت، يقوم المعالج الجيد بدعوتك إلى فحصه من خلال الفضول العاطفي.
تخيّل أنك تشعر بالذنب لأنك تحدثت بعصبية مع صديق. ربما تقول لنفسك: “أنا شخص سيء”. هنا قد يسألك المعالج: “ما الذي يكمن خلف هذا الشعور بالذنب؟” هذا السؤال قد يكشف عن خوف من الرفض أو تجربة نقدية سابقة في الطفولة. هذا النوع من الاستكشاف يفتح المجال لتكوين الرحمة الذاتية، ويمنحك القدرة على فهم مشاعرك بدلاً من معاقبة نفسك عليها.
إفساح المجال للمشاعر بعيدًا عن التحليل
يلجأ البعض إلى العقلنة المفرطة كوسيلة للدفاع؛ فيحولون مشاعرهم إلى أفكار وتحليلات لتجنب الألم العاطفي. قد تجد نفسك تحلل تصرفات زميل في العمل بدلاً من الاعتراف بمشاعر الغضب أو الخذلان.
في العلاج، يتم توجيهك بلطف إلى أن تسأل: “ما هو الشعور الذي أتهرب منه عبر التفكير الزائد؟” هذا السؤال يساعدك على التوقف عن تفسير المشاعر والبدء في معايشتها. مع الوقت، تتعلم أن تمنح مشاعرك القبول دون أحكام، مما يُعزز المرونة النفسية والثقة بالنفس.
من إرضاء الآخرين إلى الاتصال الداخلي
يركز الكثيرون في جلسات العلاج على الآخرين، خاصة الشريك العاطفي. رغم أن الشكاوى مشروعة، إلا أن العلاج يوجه الانتباه إلى الداخل، ويسألك: “أين أهملت احتياجاتك؟” هذه النقلة من التخلي عن الذات إلى الارتباط بها تفتح أبوابًا لاكتشاف الذات الحقيقية.
عندما تبدأ في تلبية احتياجاتك، فإنك لا تبتعد عن الآخرين، بل تصبح أكثر قدرة على بناء علاقات تقوم على الصدق العاطفي وليس التعلق.
اكتشاف الإجابات من الداخل
كثيرًا ما يُطرح سؤال: “ماذا عليّ أن أفعل؟” لكن المعالج لا يقدم حلولًا جاهزة. بل يهيئك لتحمل اللايقين، والثقة بالحكمة التي تنبع من داخلك.
عبر الحوار التأملي، قد تكتشف رغبات أو مخاوف لم تكن واعيًا بها من قبل. هذا المسار يبني الإرادة الذاتية، ويعلّمك اتخاذ القرارات استنادًا إلى الوعي الداخلي لا إلى آراء الآخرين. وهنا تبدأ الاستقلالية النفسية في النمو.
قوة التوافق العاطفي
أحد أكثر عناصر العلاج شفاءً هو التناغم العاطفي بين المعالج والمُراجع، حيث يُشعر الأخير بأنه مرئي، مسموع، ومفهوم بعمق. في كثير من الأحيان، قد تكون جلسة العلاج هي المكان الوحيد الذي يحظى فيه الإنسان بهذا القدر من الاحتواء غير المشروط.قد يكون هذا التناغم مريحًا أو مربكًا حسب التجربة الشخصية، لكنه يوفر نموذجًا لما يمكن أن تبدو عليه العلاقة مع الذات: علاقة تقوم على القبول، والرحمة، والاهتمام.