هل للبكتيريا المعوية دور في الإصابة بالوسواس القهري؟

يتميز اضطراب الوسواس القهري (OCD) بأفكار مزعجة ومتكررة وسلوكيات قهرية قد تعرقل حياة المصاب بشكل كبير. عادةً ما يبدأ الاضطراب في فترة المراهقة، ويرتبط غالبًا بالتوتر والقلق.
تُبرز نظرية “محور الأمعاء-الدماغ” العلاقة المدهشة بين الميكروبات التي تعيش في أمعائنا وصحة الدماغ، بما في ذلك اضطرابات مثل الوسواس القهري. عندما يحدث خلل في توازن البكتيريا المعوية، قد تتأثر الحالة المزاجية بشكل سلبي، مما قد يزيد من شدة أعراض الوسواس القهري.
منذ عام 2010، أظهرت أبحاث قادها علماء مثل جين فوستر وكارين-آن ماكفي نيوفيلد وجيرارد كلارك وتيد دينان وجون كريان علاقة بين ميكروبات الأمعاء واضطرابات التوتر، بما في ذلك الوسواس القهري. إلا أن هذه الدراسات أثبتت وجود ارتباط فقط، دون تأكيد العلاقة السببية، مما يصعّب تحديد ما إذا كانت مشاكل الأمعاء تسبب الوسواس القهري أم العكس، وهو ما يُعرف بالسببية العكسية.
دراسة حديثة من جامعة تشونغتشينغ الطبية في الصين، بقيادة مينغجي هي وجينغفو كيو، سعت لإثبات علاقة سببية باستخدام تقنية تُسمى “العشوائية المندلية” (Mendelian Randomization – MR). تعتمد هذه التقنية على تحديد الجينات المرتبطة بالمرض — حيث تم تحديد 88 جينًا مرتبطًا بالوسواس القهري — ثم دراسة علاقتها بالبكتيريا المعوية. ونظرًا لأن الجينات ثابتة منذ الولادة ولا تتأثر بالدماغ أو الأمعاء، يمكن بهذه الطريقة استبعاد السبب العكسي.
أظهرت نتائج الدراسة مجموعتين من البكتيريا: مجموعة يبدو أنها تحمي من الوسواس القهري، وأخرى قد تزيد من خطره. على وجه التحديد، ارتبطت بكتيريا رومينوكوكوس وبيلوفيلا بانخفاض خطر الوسواس القهري، بينما ارتبطت بكتيريا باسيليز ويوباكتيريوم رومينانتيوم ولاشنوسبيراسيا بزيادة الخطر.
تشير هذه النتائج إلى احتمال وجود علاقة سببية بين بعض الميكروبات المعوية والوسواس القهري، مما يفتح المجال لفكرة التدخلات الغذائية كوسيلة للوقاية أو العلاج.
مع ذلك، يجب توخي الحذر؛ إذ تعتمد تقنية MR على وجود جينات مرتبطة بالوسواس القهري، وقد يكون جزء من العلاقة ناتجًا عن العوامل الوراثية وحدها دون تدخل الميكروبات. كما أن الدراسات لا توضح حجم تأثير هذه الميكروبات بدقة، ومن المرجح أن تكون هناك عوامل أخرى مؤثرة.
تتضمن العلاجات الحالية للوسواس القهري العلاج النفسي والأدوية المضادة للاكتئاب، وهي فعالة في كثير من الحالات، لكنها قد لا تنجح مع الجميع. فهل يمكن أن تقدم الأنظمة الغذائية التي تدعم صحة الأمعاء خيارًا إضافيًا؟ يشير الدور الوقائي لبكتيريا بيلوفيلا إلى أهمية الدهون، خصوصًا أحماض أوميغا-3 الدهنية، في صحة الدماغ. يمكن الحصول على أوميغا-3 من أسماك مثل السلمون والسردين، أو من مصادر نباتية مثل الجوز وبذور الكتان والشيا لمن يفضلون النظام النباتي.
كذلك، زيادة استهلاك الألياف تدعم نمو البكتيريا النافعة التي تنتج مركبات تقلل الالتهاب وتساعد في تجديد الخلايا العصبية. كما تساهم الأطعمة المخمرة مثل الزبادي والمخلل والكمبوتشا في تحسين صحة الأمعاء. ومع ذلك، ما زالت الدراسات المتخصصة حول الأنظمة الغذائية المناسبة لعلاج الوسواس القهري محدودة.
وبالنظر إلى تعقيد العوامل المرتبطة بالوسواس القهري، قد يكون تحسين صحة الأمعاء باتباع نظام غذائي متوازن مثل النظام المتوسطي خطوة مفيدة بجانب العلاجات التقليدية. ويُوصى دائمًا بمراجعة الطبيب قبل إجراء أي تغييرات كبيرة في النظام الغذائي.