Blog Details

كيف تؤثر التغيرات في الدماغ على سلوكنا الاجتماعي مع التقدم في العمر

مع مرور السنين، تصبح دوائرنا الاجتماعية أصغر عادةً. قد يبتعد الأصدقاء، أو تنشغل حياتنا بالعمل والعائلة، فتصبح العلاقات الاجتماعية أقل أولوية. لكن الأمر لا يتعلق فقط بانشغالنا؛ إذ تشير أبحاث حديثة من ألمانيا إلى أن التغيرات في طريقة ترابط مناطق الدماغ قد تجعل التواصل الاجتماعي أقل إرضاءً مع التقدم في العمر. فقد وجد الباحثون أن الشبكات العصبية المسؤولة عن الذاكرة والإدراك الذاتي تضعف، في حين تنشط المناطق المرتبطة بالتوتر العاطفي بشكل أكبر.

أهمية التواصل الاجتماعي

عقولنا مهيأة منذ الولادة للتفاعل مع الآخرين. فالتواصل مع الناس ينشط مناطق الدماغ المسؤولة عن الشعور بالمكافأة والتعاطف وتنظيم العواطف. وعندما تقضي وقتًا مع الأصدقاء، يفرز الدماغ مواد مثل الدوبامين والأوكسيتوسين التي تجعلك تشعر بالسعادة والترابط، بينما ينخفض هرمون الكورتيزول المسؤول عن التوتر.

العزلة ليست طبيعية للبشر؛ فالوحدة تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية. فقد ثبت أنها تزيد من مشاعر القلق والاكتئاب، وترفع مستويات الكورتيزول بشكل مزمن، مما يعزز الالتهابات وضغط الدم ويزيد خطر الإصابة بأمراض القلب. تشير بعض الدراسات إلى أن تأثير العزلة المستمرة على الصحة يعادل تدخين 15 سيجارة يوميًا.

ومع التقدم في العمر، يصبح الحفاظ على العلاقات الاجتماعية أكثر صعوبة. إذ يواجه واحد من كل ثلاثة كبار في السن الشعور بالوحدة أو العزلة الاجتماعية، خاصة بعد التقاعد أو مواجهة مشاكل صحية أو فقدان شريك الحياة. ومع اختفاء الروتين القديم، يصبح بذل جهد أكبر ضروريًا للحفاظ على الصداقات أو تكوين علاقات جديدة. وتشير الدراسة الجديدة إلى أن التغيرات الدماغية قد تكون جزءًا من السبب في تراجع الرغبة في التواصل.

ماذا تكشف الدراسة الجديدة عن الدماغ المتقدم في السن والاجتماعية

شارك في الدراسة حوالي 200 شخص بالغ، خضعوا لاختبار يقيس الذكاء العاطفي ويحدد مدى وعيهم الاجتماعي، وقدرتهم على التعامل مع المشاعر والتواصل بفعالية وراحتهم في المواقف الاجتماعية.

ثم أجرى المشاركون تصويرًا بالرنين المغناطيسي للدماغ، وأظهرت النتائج أن كبار السن الذين حصلوا على درجات منخفضة في الاختبار كانت لديهم شبكتان دماغيتان متأثرتان بشكل مختلف: الشبكة الأولى (السلبية المرتبطة بالعمر) تضم مناطق الدماغ المسؤولة عن الذاكرة والتركيز والإدراك الذاتي، والتي تضعف روابطها بمرور الوقت، مما قد يجعل التواصل والحفاظ على الحدة الذهنية أصعب. الشبكة الثانية (الإيجابية المرتبطة بالعمر) تشمل مناطق الإحساس والحركة، وتصبح روابطها أقوى مع التقدم في السن، وهي تنشط عادةً في لحظات التوتر الاجتماعي، كالشعور بالإقصاء أو الحكم من الآخرين، ما يجعل التفاعل الاجتماعي أكثر إجهادًا.

ما الذي لا نعرفه بعد

رغم أهمية هذه النتائج، فإنها لا ترسم الصورة الكاملة. فقد ضمت العينة أغلبية من الشباب، لذا قد لا تكون التغيرات التي تظهر بوضوح في الشيخوخة قد تجلت تمامًا. كما أن اقتصار المشاركين على الأوروبيين يثير تساؤلات حول إمكانية تعميم النتائج؛ فالثقافة تؤثر بقوة في السلوك الاجتماعي. إضافةً إلى ذلك، يعتمد التقييم على الاستبيانات الذاتية، التي قد لا تعكس بدقة السلوك الفعلي للأفراد؛ إذ قد يتأثر التقرير بالحالة النفسية أو الشخصية، والتي لم تُقاس مباشرة في هذه الدراسة.

الخلاصة

التقدم في العمر لا يعني نهاية الحياة الاجتماعية. صحيح أن الظروف الحياتية والتغيرات الدماغية قد تجعل التواصل أصعب، لكنه يظل ممكنًا. يمكننا دائمًا بذل جهد أكبر لإحياء الصداقات القديمة أو الانخراط في الأنشطة المجتمعية والهوايات الجديدة. فالحفاظ على النشاط الاجتماعي من أفضل الطرق لدعم صحة العقل والجسم.