Blog Details

فن التجاهل الذكي: علم النفس وراء تصفية الضجيج

أسبوع التوعية بالإعلام: لماذا يُعدّ التجاهل مهارة ذكية؟

في أسبوع الثقافة الإعلامية، يُقال لنا دائمًا “فكّر نقديًا” عند التعامل مع المعلومات عبر الإنترنت. لكن في عالم اليوم المزدحم بالضوضاء الرقمية، لم يعد التفكير النقدي وحده كافيًا. فجزء أساسي من الوعي الإعلامي الحديث هو أن نتعلّم متى وماذا نتجاهل. فالفطنة الإعلامية لا تعني فقط تحليل المحتوى، بل أيضًا تصفية ما لا يستحق انتباهنا.

علم النفس وراء “التجاهل النقدي”

يشير علماء النفس والتربية إلى أن مهارة التجاهل الواعي للمحتوى المضلّل أو غير المفيد أصبحت لا تقل أهمية عن التفكير النقدي. وتُعرف هذه المهارة باسم التجاهل النقدي (Critical Ignoring)، أي التركيز الانتقائي على ما يستحق، وتصفية ما يشتّت انتباهنا.
وقد حدد الباحثون ثلاث استراتيجيات رئيسية لاكتساب هذه المهارة:

1. التهيئة الذاتية: صمّم بيئتك الرقمية بذكاء

تمامًا كما نُخفي الحلويات لتجنب الإفراط في تناولها، يمكننا تعديل بيئتنا الرقمية لتقليل التعرّض للمحتوى الرديء.
ومن الأمثلة:

  • وضع حدود زمنية لاستخدام التطبيقات.
  • تحويل الشاشة إلى ألوان رمادية لتقليل الإغراء البصري.
  • إلغاء متابعة الصفحات والمصادر المزعجة أو غير المفيدة.
  • تعطيل الحسابات مؤقتًا عند الحاجة إلى التركيز.

تشير الدراسات إلى أن تعطيل “فيسبوك” لمدة شهر يمكن أن يوفّر ساعة يوميًا ويزيد من الشعور بالراحة النفسية ويقلّل من التوتر والانقسام السياسي.

2. القراءة الجانبية: التحقق الذكي من المصداقية

عند مواجهة معلومة أو موقع غير مألوف، لا تكتفِ بتحليل المحتوى نفسه.
اخرج من الصفحة وابحث في مصادر أخرى — تمامًا كما يفعل مدققو الحقائق المحترفون.
وتتضمن الخطوات:

  • فتح تبويبات جديدة.
  • البحث عن الكاتب أو الجهة أو الادعاء.
  • المقارنة بين مصادر موثوقة متعددة.

هذه الطريقة أكثر فعالية من التقييم الداخلي للمحتوى وتقلل من خطر الوقوع في التضليل.

3. لا تطعم المتصيّدين: امنع مكافأتهم بالانتباه

يعتمد المتصيّدون ومروّجو المعلومات المضللة على انتباه الآخرين كوقود لاستمرارهم.
القاعدة بسيطة:

  • لا ترد، ولا تجادل، ولا تصحّح.
  • استخدم خاصية الحظر أو الإبلاغ عند الضرورة.

بهذا تحرمهم من المكافأة الاجتماعية التي يسعون إليها وتحافظ على هدوئك النفسي.

عصر جديد من الوعي

في الماضي، كان التعليم يُركّز على الانتباه، أما اليوم فيتطلب منا أيضًا فن التجاهل.
في زمن أصبحت فيه الانتباه عملة ثمينة، يصبح التجاهل النقدي وسيلة لحماية الذات لا للهروب من الواقع.
بتصفية الضجيج أولًا، نُتيح لأنفسنا فرصة التفكير بعمق ووضوح أكبر.