وهم السيطرة: عندما يتحول التفكير الزائد إلى فخ

الإفراط في التفكير هو حالة ذهنية متشابكة تجمع بين شك عميق بالنفس وبين مستوى مدهش من الثقة المفرطة بالنفس. هو الانشغال المستمر بمشكلة ما—سواء كانت في الماضي أو الحاضر أو المستقبل—بدافع شعور بأن شيئًا ما لم يُحسم بعد، ولا بد من إيجاد حل له.
في قلب هذه الحالة تكمن مفارقة: من جهة، هناك اعتقاد بأن الإنسان لا يستطيع الاستمرار بدون وضوح (شك داخلي شديد)، ومن جهة أخرى، اقتناع بأنه قادر بمفرده على الخروج من هذه الدوامة (ثقة مفرطة بالنفس).
وكغيره من أشكال الوسواس، قد يكون الإفراط في التفكير وسيلة للهروب من الواقع الوجودي. فالعقل الذي لا يتحمل الفوضى إلا مؤقتًا، يسعى جاهدًا إلى النظام، ويرى في الكمالية وسيلة لتحقيق الهدوء الداخلي.
غالبًا ما يُقال إننا لا نحتاج فقط إلى الراحة، بل إلى الشجاعة. قد يبدو هذا الطرح مبتذلًا، لكنه يحمل الكثير من الحقيقة. فالإفراط في التفكير قد يبدو لأول وهلة أنه نوع من الجرأة، لأنه ينطوي على نشاط ذهني دائم، لكنه في الحقيقة شكل من الهروب المقنّع.
أما حل المشكلات السليم، فهو يتقبل وجود عدة احتمالات ويعترف بحدود الإنسان. بينما الإفراط في التفكير ينبع من الخوف—سعي محموم لتوقّع ومنع كل نتيجة سلبية. ولهذا السبب، غالبًا ما يكون مرتبطًا باضطراب الوسواس القهري (OCD)، الذي يجمع بين الشك الذاتي الشديد والرغبة الزائدة في التحكم بكل شيء.
يظن المفكر المفرط أنه لا يستطيع تحمل الفشل أو الرفض أو الأذى أو الفقدان، فيُبني حياته بالكامل على تجنّبها، ما يحرمه من الفرح والعفوية والحميمية. والمفارقة أن معظم مخاوفه إما أنها مبالغ فيها أو يمكن التعايش معها فعلًا.
في العلاج النفسي، يساعد المعالجون الأشخاص على مراجعة معتقداتهم المغلوطة. وغالبًا ما يُطرح سؤال: ما هو الثمن الذي أدفعه مقابل الإفراط في التفكير؟ أقول أحيانًا إن القلق ليس جريمة بلا ضحايا، لأن الوقت الذي نقضيه في حماية أنفسنا هو وقت نخسره من حياتنا وتواصلنا ونمونا.
أسئلة تأملية مهمة:
- هل أبالغ في التهويل؟
هل أعتقد أن حدوث أمر سيئ سيفتح أبواب كوارث لا تنتهي؟ أم أن هذا مجرد وهم؟ - هل أستطيع تقبّل محدودية قدرتي على التنبؤ وحلّ المشكلات؟
كثيرًا ما نقع في فخ انحياز الإدراك المتأخر، ونقول لأنفسنا “كان يجب أن أعلم”. لكن هذا لا يعكس سوى توقّع غير واقعي لأنفسنا. - هل تفكيري ثنائي حاد؟
هل أحتاج إلى الكمال كي أشعر بالأمان؟ هذا النمط، رغم ما يمنحه من راحة مؤقتة، يصنع واقعًا صلبًا لا يُطاق. كما في رواية غاتسبي العظيم، قد يؤدي الهوس بالمثالية إلى التدمير الذاتي.
هل أشعر أنني وحدي؟
كثير من المفكرين المفرطين لا يطلبون المساعدة، ويظنون أن ذلك ضعف. لكن طلب الدعم قد يكون هدية متبادلة تعزز الثقة والمودة بين الناس.