ما الذي يسلبه الفصام من الإنسان وكيف يمكن استعادته؟

يُعد اضطراب الفصام من أكثر الاضطرابات النفسية تعقيدًا وتشويشًا. فبينما يعرف الكثيرون عن الأعراض الإيجابية مثل الهلوسة وجنون الارتياب واضطراب التفكير، إلا أن هناك جانبًا آخر صامتًا من المرض يُعرف بـ الأعراض السلبية، وغالبًا ما يكون أكثر تأثيرًا على الحياة اليومية.
تُشير الأعراض السلبية إلى ما يفقده المصاب من تفاعله مع نفسه والآخرين. وتتجلى في فقدان الدافع، تبلّد المشاعر، والانطواء الاجتماعي. قد يظهر الشخص بتعبيرات وجه جامدة، أو بنبرة صوت واحدة، أو يميل إلى العزلة. هذه الأعراض قد تكون أقل وضوحًا لكنها أكثر إعاقة من الأعراض الصاخبة الأخرى.
الدكتور راي كوتويكي، وهو طبيب نفسي ورئيس الشؤون الطبية في مؤسسة Hightop Health، يوضح أن بعض المصابين يشيرون إلى شعورهم بأنهم “خلف زجاج“، يرون العالم من حولهم لكنهم غير قادرين على التفاعل معه عاطفيًا. يرى الدكتور كوتويكي أن هذا الشعور هو من العلامات الجوهرية لـ الأعراض السلبية.
تكمن المأساة في أن الدعم الاجتماعي يعد من أقوى العوامل التي تساهم في التعافي، إلا أن الأعراض السلبية تجعل من الصعب على المريض التواصل مع هذا الدعم. يوضح الدكتور كوتويكي: “قد يبدو الأمر وكأن الشخص لا يهتم أو لا يحاول، لكن هذه قراءة خاطئة للحالة. ما نراه ليس نقصًا في المحاولة، بل تعبير عصبي بيولوجي عن المرض”.
ما يجب أن تعرفه العائلات
قد يكون الأمر مؤلمًا حين يشعر الأهل بأن شخصًا عزيزًا عليهم لم يعد يتفاعل كما كان. لكن الدكتور كوتويكي يؤكد أن هذا لا يعني أن الشخص فقد الأمل أو لم يعد يُقدّر من حوله.
“حين تظهر الأعراض السلبية، فهذا لا يعني أن المريض لا يحاول أو غير مهتم. إنما يعني أن تركيبة دماغه لا تسمح له بإظهار ذلك بسهولة”.
ويضيف أن وجود الأعراض السلبية لا يعني أن الشخص “لم يعد موجودًا” أو “اختفى”، بل هو لا يزال هناك، لكن يصعب عليه التعبير.
هل هناك أمل؟
رغم أن الأعراض السلبية ظلت لعقود تُعتبر مقاومة للعلاج، هناك اليوم مؤشرات تبعث على التفاؤل:
- التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS): تقنية غير جراحية تُحفّز الدماغ باستخدام نبضات مغناطيسية. ورغم استخدامها الأساسي في علاج الاكتئاب والوسواس القهري، إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت فعاليتها مع الأعراض السلبية (Lorentzen et al., 2022).
- أدوية جديدة: طُورت مؤخرًا أدوية لا تعتمد على الدوبامين (المرتبط بنظام المكافأة)، بل تستهدف المستقبلات المسكارينية، ما يُعد فتحًا علاجيًا واعدًا (Kidambi et al., 2023). كذلك، أظهرت بعض مضادات الذهان طويلة المفعول من الجيل الحديث نتائج إيجابية (Citrome et al., 2025).
- العلاج النفسي: أثبتت تقنيات مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) وإعادة التأهيل المعرفي (CR) أنها تساعد في التخفيف من الأعراض السلبية، خصوصًا عند دمجها مع العلاج الطبي التقليدي (Riehle et al., 2020).
رسالة ختامية
أنهى الدكتور كوتويكي حديثه بكلمات أمل:
“المصابون بالفصام يبذلون ما في وسعهم، وفقًا للطريقة التي يرون بها العالم، ولشعورهم الداخلي، ولعواملهم الوراثية. كلما زاد فهمنا لـ الأعراض السلبية، زادت قدرتنا على التعامل معهم برحمة ودعم حقيقي”.