Blog Details

العلاج بالتحديق البصري: بين الادعاء العلمي والواقع

رغم التطور الكبير في علوم الأعصاب والطب النفسي، لا تزال العلاجات النفسية المتاحة قاصرة عن تحقيق نتائج فعالة وشاملة لجميع المرضى. ويُعزى هذا القصور إلى عدم فهمنا الكامل للآليات العصبية المسؤولة عن الاضطرابات النفسية.

وفي مثل هذه الأوقات من الغموض العلمي، تنتشر الأساليب غير المبنية على دليل علمي واضح، وتُروج على أنها حلول مبتكرة. من أبرز هذه الأساليب التي نالت انتشارًا واسعًا مؤخرًا: العلاج بالتحديق البصري (Brainspotting).

ما هو العلاج بالتحديق البصري؟

هو نوع من العلاج النفسي يعتمد على فرضية أن موضع العين أثناء النظر يرتبط بمشاعر دفينة أو تجارب مؤلمة مخزنة في مناطق محددة من الدماغ. ويعتقد مطورو هذا العلاج أن تحديد “النقطة البصرية” المناسبة يمكن أن يساعد في تفريغ المشاعر ومعالجة الصدمة.

في جلسة العلاج، يُطلب من المريض تتبع مؤشر يُحركه المعالج، حتى يحدد نقطة في مجال رؤيته تثير لديه شعورًا أو ذكرى. لكن لا يوجد دليل علمي موثوق يُثبت أن حركة العين يمكنها أن تُحفّز مناطق دماغية متخصصة بالتجارب العاطفية غير الواعية.

غياب الدليل العلمي

تشير الدراسات التحليلية الحديثة إلى أن الدعم المتوفر لهذا النوع من العلاج يأتي من حالات فردية وتقارير غير خاضعة للرقابة العلمية. لا توجد تجارب سريرية واسعة أو دراسات مقارنة قوية تُثبت فعاليته بشكل موثوق.

هذا النمط من الاستناد إلى الشهادات الشخصية دون وجود دراسات محكمة هو من الخصائص المميزة للعلم الزائف.

إشكالية في التنفيذ

أحد العناصر الأساسية في هذه التقنية هو قدرة المعالج على رصد توقفات قصيرة ودقيقة في حركة عين المريض أثناء تتبعه للمؤشر. لكن الحركات العينية السريعة (الحركات السكادية) تحدث بسرعة تبلغ نحو 700 درجة في الثانية، وهي تفوق قدرة العين البشرية على الملاحظة المجردة.

هذه الصعوبة الفسيولوجية تجعل نجاح العلاج مشروطًا بمهارة المعالج بدلًا من فعالية الأسلوب ذاته، وبالتالي توفر حماية زائفة للطريقة ضد النقد أو التقييم العلمي.

ادعاءات غير مدعومة عصبيًا

يسوق مؤيدو العلاج بالتحديق البصري مجموعة من الأسماء لمناطق دماغية مرتبطة بالإبصار والذاكرة والعاطفة، في محاولة لإضفاء طابع علمي على الطريقة. لكن لم تُثبت أي دراسة وجود علاقة سببية بين هذه المناطق ومعالجة الصدمة النفسية.

لذلك، وصف عدد من الباحثين هذا الأسلوب بأنه نوع من “الهلوسة العلمية”، حيث يُفترض وجود أنماط واتصالات عصبية دون دليل فعلي.

الخلاصة

خلص تحليل علمي نُشر عام 2024 (McKay & Coreil) إلى أن العلاج بالتحديق البصري:

  • لا يمكن اختباره علميًا بطريقة قابلة للدحض
  • يعتمد على تجارب فردية بدلًا من دراسات محكمة
  • يستخدم لغة علمية لإضفاء مصداقية زائفة
  • يعفي المنهج من المسؤولية في حال فشل العلاج، ويحمل المعالج الذنب

بالتالي، فإن العلاج بالتحديق البصري لا يُعتبر علاجًا قائمًا على الدليل، ولا يستند إلى أي فهم علمي واضح للآليات العصبية المتعلقة بالصدمات النفسية.