Blog Details

كيف قد تسهم خلايا الدماغ المفيدة في تفاقم الاكتئاب

يُعد الاضطراب الاكتئابي الكبير (Major Depressive Disorder – MDD) حالة صحية نفسية تؤثر سلبًا على المزاج، وتسبب فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت تجلب السعادة سابقًا. بالإضافة إلى الضعف الإدراكي والنسيان، يمكن أن يؤثر MDD بشكل كبير على الأداء الاجتماعي والوظيفي. وتشير الدراسات إلى أن عدة عوامل مناعية وخلايا دماغية مثل الخلايا الدبقية (Glial Cells) تساهم في الالتهاب العصبي (Neuroinflammation)، ما يلعب دورًا في تطور هذا الاضطراب.

تُعرف الخلايا الدبقية الصغيرة (Microglial Cells) بأنها خلايا المناعة المقيمة في الجهاز العصبي المركزي (Central Nervous System – CNS)، وهي تنظم الاستجابات الالتهابية من خلال إفراز السيتوكينات الالتهابية (Pro-inflammatory Cytokines). رغم توثيق وظائف الالتهاب العصبي للخلايا الدبقية الصغيرة، بقي دور الخلايا النجمية (Astrocytes) – وهي نوع متخصص من الخلايا الدبقية – في النمو العصبي غير واضح حتى وقت قريب.

لإلقاء الضوء على دور الخلايا النجمية في الالتهاب العصبي وMDD، قاد الدكتور غوراف سينغال (Dr. Gaurav Singhal) من قسم الجراحة في جامعة ويسكونسن بالولايات المتحدة مراجعة موسعة للأبحاث، نُشرت نتائجها في مجلة Neuroprotection.

ويقول الدكتور سينغال:

“يُعد MDD من أهم أسباب الإعاقة عالميًا ويؤثر على أكثر من 280 مليون شخص في جميع الفئات العمرية. كما أن العبء الاقتصادي له كبير للغاية، إذ تتجاوز تكلفته السنوية في الولايات المتحدة 326 مليار دولار. وفهم دور الخلايا النجمية في الالتهاب العصبي يمكن أن يساعد في تطوير علاجات جديدة للاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى.”

أجرى فريق البحث مسحًا شاملاً للأدبيات باستخدام قواعد بيانات مثل PubMed وGoogle Scholar، وقاموا بمراجعة 226 دراسة تتعلق بالخلايا النجمية والالتهاب العصبي والاكتئاب، مستندين إلى معايير دليل PRISMA لضمان جودة المراجعة.

توصل التحليل إلى أن الخلايا النجمية أساسية في الحفاظ على البنية السليمة للوصلات العصبية بين الخلايا العصبية (Synaptic Junctions)، كما تفرز عوامل مثل عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (Brain-derived Neurotrophic Factor – BDNF) وعامل نمو الأرومة الليفية-2 (Fibroblast Growth Factor-2)، وهي عناصر ضرورية لنمو الخلايا العصبية وتكوين المشابك. كما تنظم الخلايا النجمية البيئة الأيونية المحيطة بالخلايا العصبية، مما يسهل التواصل بين هذه الخلايا. ووجد الباحثون أن التغيرات في شكل ووظيفة الخلايا النجمية ترتبط بضعف الاتصال العصبي، ما يساهم في ظهور أعراض الاكتئاب.

كما كشفت الدراسة آلية حرجة يتسبب فيها تنشيط الخلايا الدبقية الصغيرة والخلايا النجمية في استمرار الالتهاب العصبي في MDD. تبدأ هذه الآلية بإفراز السيتوكينات الالتهابية مثل عامل نخر الورم-α (Tumor Necrosis Factor-α) وإنترلوكين-1 (Interleukin-1) من الخلايا الدبقية الصغيرة، لتقوم بعدها الخلايا النجمية بإطلاق مواد التهابية إضافية، مما يعزز الالتهاب العصبي.

ويضيف الدكتور سينغال:

“زيادة مستويات الكالسيوم داخل الخلايا (Intracellular Calcium) في الخلايا النجمية يمكن أن يحفز إطلاق أدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP)، مما يؤدي إلى استجابة متأخرة في الكالسيوم داخل الخلايا الدبقية الصغيرة. وبعد عدة دورات من هذا التفاعل، تدخل الخلايا الدبقية الصغيرة في موت الخلايا المبرمج (Apoptosis).”

وبيّنت الدراسات على نماذج الفئران أن إنزيم نازع هيدروجين اللاكتات-A (Lactate Dehydrogenase A) في الخلايا النجمية ضروري للحفاظ على إثارة الخلايا العصبية. كما تبين أن عملية لاكتيليشن الهيستون (Histone Lactylation) – إضافة جزيئات اللاكتات إلى بروتينات الهيستون – تؤثر على تعبير الجينات وتساهم في الالتهاب العصبي الذي تسببه الخلايا النجمية.
بشكل عام، توضح هذه الدراسة كيف يمكن أن تتحول الخلايا النجمية من دورها الوقائي العصبي (Neuroprotective Role) إلى دور يروج للالتهاب العصبي من خلال زيادة إفراز السيتوكينات الالتهابية، ما يساهم في تطور الاكتئاب.