كيف تتشكل العادات في الدماغ؟

سواء كنت تحاول الإقلاع عن التدخين أو بناء نمط حياة صحي، فإن تغيير العادات يتجاوز مجرد قوة الإرادة. أظهرت الأبحاث الحديثة أن العادات تتكوّن من خلال نظام المكافأة والتكرار المستمر، حيث يتعلّم الدماغ هذه الأنماط ويحولها إلى سلوك تلقائي مع الوقت.
عند تعلم عادة جديدة، يكون الأمر في البداية مرهقًا ويتطلب تركيزًا واعيًا. تخيّل مثلًا تعلم قيادة السيارة: في البداية تراقب المرايا، السرعة، الإشارات. لكن مع التكرار، يتم تقوية المسارات العصبية، ويصبح الفعل تلقائيًا دون تفكير. هنا، مركز اتخاذ القرار في الدماغ يبدأ في الانسحاب من المهمة.
تشير الدراسات إلى أن تكوين العادة قد يستغرق حوالي 70 يومًا في المتوسط. ويُعد الدوبامين، وهو المادة الكيميائية المسؤولة عن الشعور بالمكافأة، عاملًا أساسيًا في تحفيز تكرار السلوك. حتى عندما يختفي الشعور الفوري بالمكافأة، يبقى التكرار كافيًا لجعل العادة جزءًا من الروتين اليومي.
العادات كاختصارات عقلية
تشكل حوالي 45% من سلوكياتنا اليومية عادات. مثل ربط حزام الأمان أو إطفاء الأنوار قبل مغادرة الغرفة — كلها أفعال تقوم بها دون وعي. مع الوقت، تبدأ هذه الأفعال في تشكيل تفضيلاتك. مثلًا، إذا اعتدت على شرب القهوة صباحًا، فقد تفضلها ليس لأنها ألذ من الشاي، بل لأنها جزء من روتينك الصباحي.
يقول الدكتور ماركوس ستيفنسون-جونز من جامعة لندن: “بمجرد أن تُكوِّن تفضيلًا معينًا، يمكن للدماغ أن يتجاوز التفكير المنطقي ويعتمد على ما اعتاد عليه.” وهذا يعني أن العادات تقلل الجهد الذهني وتوفر طاقة الدماغ.
نظامان متوازيان لتكوين العادات
أظهرت دراسة سويدية حديثة أن الدماغ يعتمد على نظامين متوازيين لتكوين العادات:
- نظام المكافأة المعتمد على الدوبامين.
- نظام التكرار، الذي يحوّل الأفعال إلى سلوك تلقائي.
هذا النموذج الثنائي يفسّر لماذا نستمر في ممارسة سلوكيات حتى بعد أن يختفي إحساس المكافأة — لأن الفعل أصبح مألوفًا ومريحًا.
ما الذي تعلّمناه من الفئران؟
درب الباحثون مجموعة من الفئران على أداء مهمة تفاعلية، حيث ضغطوا أزرارًا وفقًا لأصوات عالية أو منخفضة، وتلقوا مكافأة بسيطة مقابل الإجابة الصحيحة. مع الوقت، أصبح أداؤهم أسرع وأكثر دقة.
لاحظ العلماء ارتفاعًا في مستوى الدوبامين في منطقة تُعرف بـ المخطط (striatum)، وهي منطقة مسؤولة عن الحركة والتعلّم. وعندما تم تعطيل هذه المنطقة، أصبح تعلّم الفئران أبطأ وأقل دقة، مما يثبت دورها المحوري في تكوين العادات.
حتى بعد زوال المتعة الفورية، ظلت الحركات المألوفة تثير إفراز الدوبامين، وهذا يفسّر لماذا نتمسك بعادات مثل الرياضة أو تنظيف الأسنان.
ما علاقة باركنسون؟
هذه النتائج قد تفتح أبوابًا جديدة لفهم مرض باركنسون، حيث يؤدي نقص الخلايا المنتجة للدوبامين إلى صعوبة في الحركة واضطراب في السلوكيات التلقائية. استهداف نظام تكوين العادات قد يساعد في تطوير علاجات جديدة.
الخلاصة
من اختيارك لإفطارك إلى طريقة سيرك في العمل، معظم أفعالك اليومية لا تتم بوعي كامل. إذا أردت تغيير عادة، لا تحاول محاربتها فقط، بل استبدلها بسلوك إيجابي آخر. بدلًا من تناول وجبة غير صحية عند التوتر، قم بجولة مشي سريعة. فـ الحركة والتكرار هما المفتاح لإعادة برمجة عاداتك من الداخل.